الاهتمام بالحفظ
روى الإمام مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم شرح هذا الحديث :سُلُوكُ الطَّرِيقِ لِالْتِمَاسِ الْعِلْمِ يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمَشْيُ بِالْأَقْدَامِ إِلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ.
وَيَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطُّرُقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى حُصُولِ الْعِلْمِ، مِثْلُ حِفْظِهِ، وَدَارِسَتِهِ، وَمُذَاكَرَتِهِ، وَمُطَالَعَتِهِ، وَكِتَابَتِهِ، وَالتَّفَهُّمِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْعِلْمِ.اهـ نسأل الله أن يُسخر لنا طريق الجنة .
والعلم على خمس مراتب .روى ابن عبدالبر في«جامع بيان العلم وفضله»(761)عن سفيان الثوري«أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الْإِنْصَاتُ، ثُمَّ الْحِفْظُ، ثُمَّ الْعَمَلُ، ثُمَّ النَّشْرُ».وسنده صحيح .
وروى ابن أبي حاتمٍ رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (2/36) عن مروان بن محمد وهو الطاطري، يقول: ثلاثة لا يستغني عنها صاحب العلم: الصدق، والحفظ، وصحة الكتب،فإن أخطأته واحدة لم تضره أن أخطأه الحفظ فرجع إلى كتب صحيحة لم يضره.هذا أثرٌ صحيح.
وقال عبدالرحمن بن مهدي في الأثر الثابت عنه (الحِفظُ هو الإتقان ) .
وقد قيل :متونها حصونها .
وينبغي الاهتمام بالحفظ في وقت سنِّ الحفظ وصفاء الذاكرة وارتساخ المعلومة وهذا في سنِّ الطفولة -،وقدقيل:الحفظ في الصِّغر كالنقش في الحجر -ومرحلة الشباب . روى أبوخيثمةزهير بن حرب رحمه الله في «العلم» (156) بسند صحيح عن علقمة بن قيس « ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه فيقرطاس أو ورقة».
يعني:محفوظاته التي حفظها وهو شاب كأنها أمامه في ورقة.
كما ينبغي الاهتمام بالحفظ في بكور اليوم لقول النَّبِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا».
والحفظ يحتاج إلى صبرٍ وبذل جُهد .يقول والدي رحمه الله :الحفظ شاقٌّ فالنفس تتهرَّبُ منه،وأشق منه مراجعته والمحافظة عليه من النسيان .اهـ
فينبغي لطالب العلم أن يهتم بمحفوظاته ويحافظ عليها من النسيان .روى البخاري(5033) ،ومسلم (791)عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا».
قال ابن عبدالبر في «التمهيد»(14/133):فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَاهَدْ علمَه ذهب عنه أي مَنْ كَانَ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ الْقُرْآنُ لَا غَيْرَ وَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ الْمُيَسَّرُ لِلذِّكْرِ يَذْهَبُ إِنْ لَمْ يُتَعَاهَدْ فَمَا ظَنُّكُ بغيره من العلوم المعهودة ؟!
وخيرالعلوم مَا ضُبِطَ أَصْلُهُ وَاسْتُذْكِرَ فَرْعُهُ وَقَادَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَدَلَّ عَلَى مَا يَرْضَاهُ .اهـ
ومن جدَّ واجتهد في حفظ العلم النافع ورعايته فليهنأ بهذه البشارة العظيمة﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾[العنكبوت].
قال السعدي رحمه الله في«تفسير هذه الآية»(635):دلَّ هذا على أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين.اهـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق