الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد ...
فقبل فترة ليست بالقصيرة وضع الشيخ حامد الجنيبي أحسن الله تعالى إليه تنبيهات هامة بخصوص نظام المدارسات، ومن هذه التنبيهات تنبيه تطرق إلى موضوع التلخيص، وبعد قراءة هذه التنبيهات وتكرار القراءة خلصتُ إلى ضرورة البحث والاستقصاء عن حقيقة مفهوم التلخيص، فيبدو أنَّ هناك اختلافٌ كبيرٌ بين التلخيص وبين تدوين الفوائد، وكانت نتيجة البحث اليسير ما ستقرؤونه، علمًا أني جمعته لنفسي فقط ابتداءً وما زلت أجمع؛ مع إجراء بعض التعديلات على هذا الجمع لكي يناسب طبيعة النشر، والآن أضعه هنا لعل يكون فيه فائدة، والله تعالى أعلى وأعلم، والآن أشرع في بيان المقصود.
تعريف التلخيص
لُغَـة: "مِنْ مَادَةِ [ل خ ص] والتَّلْخِيصُ: التَّبْيِينُ والشَّرْحُ، ... يُقال: لَخَّصْتُ الشَّيءَ بالخَاءِ ولَحَّصْتُه أَيْضًا بالحاءِ إِذا استَقْصَيْتَ في بَيَانه وشَرْحهِ وتَحْبِيرِه، ويُقَال: لَخِّصْ لي خَبَرَك أَي بَيِّنْهُ لي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قيل: التَّلْخِيصُ: "التَّخْلِيصُ"، ومنه حَدِيثُ عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْه "أَنَّه قَعَدَ لِتَلْخِيصِ ما الْتبَسَ عَلَى غَيْره".
وممّا يُسْتَدْرَك عليه: التّلْخِيصُ: التَّقْرِيبُ والاخْتِصَارُ، يُقَال: لَخَّصْتُ القَوْلَ أَي اقْتَصَرْتُ فِيهِ واخْتَصَرْت مِنْهُ ما يُحْتَاجُ إِليْه وهو مُلَخِّصٌ والشَّيْءُ مُلَخَّصٌ ويُقَالُ: هذا مُلَخَّصُ ما قَالُوه أَي حاصِلُه وما يَؤُولُ إِليْه"[1].
اصطلاحـًا: "هو التعبير عن الأفكار الأساسية للموضوع في كلمات قليلة دون إخلال بالمضمون أو إبهام في المعنى، وذلك بأسلوب الكاتب الخاص، وليس له نسبة معينة، بل يكون ذلك بحسب حاجة الملخص، غير أن معيار الجودة هو التخلص مما لا فائدة منه، والإبقاء على المهم سواء كان ذلك المهم فكرة أساسية أو فرعية، والتلخيص قائم على الإيجاز مع وضوح الفكرة"[2].
وكما يظهر لنا العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي أن أساس التلخيص يعتمد على: توضيح الشيء وبيانه والاقتصار في تحقيق هذا على الإيجاز مع الحفاظ على الفكرة.
نقاط واجبة الحضور تتعلق بالتلخيص
بعد أن تبين لنا المعنى اللغوي والاصطلاحي للتلخيص؛ فيستحسن عند هذه المرحلة وقبل الخوض في تفاصيل عناصر التلخيص، بيان بعض النقاط المهمة وهي أن التطبيق الفعلي لعملية التلخيص يختلف بحسب:
ـ المادة التي يُراد تلخيصها؛ فتلخيص مادة دسمة ولنأخذ مثالًا كتاب تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) يختلف عن تلخيص رسالة (الأصول من علم الأصول) للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى؛ فالمادة الأولى قد يتبادر إلى الذهن أنها ستتعرض فقط للتفسير وما تعلق به؛ ولكن المطالع سيجد فيه: مسائل عقدية، مسائل في الأحكام، مسائل في السلوك، مسائل في القراءات وسيجد الكثيرة من هذه المسائل، بينما المادة الثانية فالغالب أن مسائلها حُصرت في العنوان الرئيسي للرسالة، وبذلك طبيعة التلخيص ستختلف.
ـ أصل المادة المراد تلخيصها؛ فتلخيص مادة مكتوبة ومحررة من قبل كاتبها يختلف عن تلخيص المادة السمعية ولا يخفى عن طلبة العلم ـ إن شاء الله تعالى ـ أن المادة المسموعة في الغالب نجد فيها التكرار والاستطراد ربما بعيدًا عن الفكرة الأساسية وغير ذلك مما يقع في الكلام المرتجل المباشر.
ـ الهدف من التلخيص؛ فتلخيص هدفه الفائدة الشخصية للملخص يختلف عن تلخيص يعتبر من الواجبات المطلوب تسليمها من قبل الطالب لتقييم دراسته لمتن معين وضبطه له.
ـ المستوى العلمي للمُلَخِص؛ لابُد لمن يريد أن يقوم بتلخيص مادة علمية معينة أن يكون فاهمًا ولديه على الأقل معرفة أولية بالعلم الذي تحتويه المادة المراد تلخيصها ليعرف ما يمكن أن يحذف وما لابُد من بقائه.
وبسبب هذه النقاط سيتأثر حجم التلخيص، وطريقة عمل المُلَخِص.
الغاية من التلخيص
من المهم قبل أن نخوض بممارسة علمية معينة أن ندرك أهميتها والغاية من تطبيقها، لأن ذلك يدفع للنشاط والمسارعة في تطبيق هذه الممارسة، ويحث على تطويرها ومعرفة كل ما يتعلق بها، فإن غابت هذه الغاية عن الممارس ربما أدى ذلك للفتور عن: تطبيقها وممارستها، والجهل بكيفية تطبيقها على الوجه الصحيح؛ فلأجل ذلك سنسرد بعض النقاط في بيان أهمية عملية التلخيص، يقول أسامة الملا[3] أنَّ التلخيص:
1- وسيلة عظيمة من وسائل توفير الوقت والجهد في الاطلاع على البحوث والتقارير المطولة.
2- تدريب عملي على الكتابة، فهو قائم على تعبير الملخِّص عن النص المطلوب تلخيصه.
3- تنمية لقدرة الفرد الذهنية على التقاط العناصر الأساسية، والتخلص من الزوائد.
4- تنمية لقدرة العقل على التركيز والاستيعاب، ودقة الملاحظة، والنظام.
5- ضرورة من ضرورات الحياة العلمية والعملية، ونافع جدًا في جمع أطراف المعلومات المتباعدة.
كيفية التلخيص[4]
التلخيص ـ كما ذكرنا سابقًا ـ هو التقريب والاختصار بعد الفهم والاستيعاب وهو مهارة من مهارات التفكير التي تتبنىأسلوب الصقل والتهذيب والإيجاز المحكم فعند الرغبة بتلخيص مادة ما (باختلاف المادة المقروءة أو المسموعة) والتي قد تكون مليئة بالتفاصيل، فلابد ابتداءً من معرفة أسلوب صاحب الكتابة الأصلية المراد تلخيصها وطريقة عرضه لأفكار النص ثم الأخذبالقواعد التالية في التلخيص:
القاعدة الأولى/ قاعدة الحذف: تتضمنحذف الجمل التي لا تساهم في فهم النص مثل: وصف الأشياء والأشخاص والأعمال الثانوية أو الاسترسال والتفصيل الفرعي للمعاني والأفكار الرئيسة.
القاعدة الثانية/ قاعدة الدمج: تتضمن دمج الجملة في جمل أخرى تشكل شرطًا لازمًا أو نتيجة للجملة الأولى.
القاعدة الثالثة/ قاعدة البناء: تتضمن بناء جملة من جمل وإحلالها محلها شرط أن تكون الجملة المبنية الناتج الطبيعي للجمل المختصرة.
القاعدة الرابعة/ قاعدة التعميم: تتضمن استبدال مجموعة من الجمل بجملة تعميمية تحمل في طياتها المعاني التي حملتها الجمل المستبدلة.
القاعدة الخامسة/ قاعدة الإضافة: تتضمن إضافة مجموعة من الفوائد الخارجة عن أصل المتن المراد تلخيصه، على شرط تعلقها بالموضوع، وهذه القاعدة تستعمل في حالتين متلازمتين: الأولى: أنَّ الطالب يقوم بالتلخيص لنفسه وليس لجهة وضعت شروط للتلخيص يجب أن يتقيد بها، الثانية: أن تكون الفائدة المضافة ذات قيمة علمية مهمة للملخِص وتزيد المادة الملخصة وضوحًا وبيانًا لا لبس فيه.
مراحل التلخيص[5]
للتلخيص ثلاثة مراحل:
ـ المرحلة الأولى: قراءة النص الأصلي قراءة متأنية فاحصة واستيعاب مضمونه وأهدافه.
ـ المرحلة الثانية: تدوين الأفكار الرئيسية (أثناء القراءة أو السماع) في مذكرات مختصرة خارجية.
ـ المرحلة الثالثة: إعادة صياغة الفكرة أو الأفكار الرئيسية بأسلوب المُلَخِّص الخاص بإيجاز محكم مع مراعاة السمات التالية:
1) تنقيح الكتابة للتأكد من وجود التتابع المنطقي وتسلسل الأفكار كما وردت في النص الأصلي.
2) التأكد من سلامة التلخيص من الأخطاء اللغوية والنحوية.
3) تجنب التعديل والتحريف المخل الذي يشوه ويغير المعنى الأصلي.
4) أن لا يتجاوز التلخيص للموضوع الثلث من النص الأصلي ونادرًا ما يأتي في نفس الحجم الأصلي من حيث الطول.
أخطاء يحذر منها في التلخيص[6]
يجب الحذر من بعض الأخطاء التي يسبب الوقوع فيها خللًا في التلخيص، ومنها:
1- أن يكون التلخيص للتلخيص، ومعنى ذلك عدم إتباع أهم خطوات التلخيص وهي: قراءة النص قراءة عميقة مستوعبة.
2- نقل بعض الجمل الموجودة في النص الأصلي كما هي أو أن يقع خلط بين أسلوب النص الأصلي وعباراته، وعبارات صاحب التلخيص؛ فإن ذلك يجعل النص مضطربا بل الواجب أن يكون التلخيص بأسلوب المُلَخِّص في ضوء أفكار النص ما أمكن تحقيق ذلك.
3- أن يقود فهم الملخِّص السيئ إلى تغيير أفكار النص أو تشويهه.
4- أن يستطرد صاحب التلخيص في التعبير عن أفكار النص الملخَّص، فيصبح التلخيص إعادة بطريقة أخرى للنص الأصلي، فالتلخيص قائم على التخلص من الزوائد التي يمكن الاستغناء عنها في فهم المراد.
هذا ما تيسر لي جمعه وإعادة نشره على الموقع، وأسأل الله تعالى أن ينفع به
والله تعالى أعلى وأعلم.
والله تعالى أعلى وأعلم.
جمعته وأعدته: أم سلمة المالكية
ــــــــ
[1] ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، 18/145-146، ط. التراث العربي في الكويت.
[2] ينظر ورقة عمل لمادة الكتابة الموضوعية (مفردات مادة عربي 201): أسامة بن محمد الملا، أستاذ في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قسم الدراسات الإسلامية والعربية.
[3] ينظر المصدر السابق.
[4] عنوان هذه الفقرة وما تضمنته تم نقله بالكامل بتصرف يسير ـ إلا ما كان في القاعدة الخامسة فهو من وضع جامعة المقال غفر الله تعالى لها ـ من مقالة منشورة في الشابكة بعنوان (معًا لتطوير مادة التعبير والإنشاء في المرحلة المتوسطة) كاتب المقال رمز لاسمه بـ (مثلث قطرب)!.
[5] مقالة (معًا لتطوير مادة التعبير والإنشاء في المرحلة المتوسطة) بتصرف يسير.
منقول من شبكة الامام دار الهجرة العلمية