✿مدّونة دروب الإستقامـة ✿ترحب بكم ✿حيّاكم الله✿

الجمعة، 29 ديسمبر 2017

#من_كتاب_دليل_أرباب_الفلاح_ل تحقيق_فن_الإصطلاح

بسم الله الرحمن الرحيم 

🔦سلسلة: (3)

#من_كتاب_دليل_أرباب_الفلاح_ل تحقيق_فن_الإصطلاح
للشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله-

#مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفرد الصمد الواحد القهار المالك المتصرف مقلب الليل والنهار...

🔹أما بعد: فإن أشرف العلوم بعد القرآن العظيم وأعلاها، وأحقها بالبحث والتحقيق وأولاها ، علم السنة النبوية والآثار المصطفوية التي هي موضحة للقرآن ومبيّنة له ودالة عليه ومفصلة لمجمله ، وحالَّة لمشكله وهادية إليه، ولا يتضح هذا العم غاية الاتضاح إلا بتحقيق الاصطلاح الذي هو الآلة المعينة على تحليله، والدليل المرشد على سبيله، فلا وصول إليه إلا بتحقيقه، ولا سبيل إليه من طريقه، ومن رغب عن هذا الفن الجليل، فقد حرم معرفة المدلول والدليل، وفاته خير كثير وفضل جزيل .

🔹وقد جمعت في ذلك جملة مفيدة ونبذة فريدة في ذلك، تشتمل على المهم من ذلك، وتدل الطالب الراغب في تلك المسالك، وإن كنت -لقصر باعي وقلة اطلاعي - لست من فرسان هذا الشأن, ولا ممن يجول في هذا الميدان ، ممن خاضوا غماره، وجمعوا صغاره وكباره ، ولكني أحبَبتُ أن أقدح معهم بزند وأرمي بسهم ، واستضيء بنور ما اقتبسوا ، وأقتطف من ثمار ما غرسوا؛ وأنقل ذلك من كتبهم، وأقفو أثرهم تشبهاً بهم، فـ : «من تشبه بقوم فهو منهم» فرحمهم الله ورضي عنهم.

☄ وجعلته على طريقة: السؤال والجواب؛ ليكون أقرب لفهم الطلاب، راجياً من الله جزيل الثواب، وأن يهب لي من لدنه رحمة إنه هو الوهاب .

☄ وافتتحته : 
1- بمقدمة : تُفصح عن تعريف هذا الفن رواية ودراية وما في ذلك من التصانيف المشهورة .
2- وختمته : بخاتمة تشتمل على فوائد منثورة .

☄ وسميته : (دَليلَ أربابِ الفَلاحِ لِتَحقيقِ فَنِّ الاصطِلاحِ) .

نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهه خالصة وأن لا يجعل لأحد فيها شيئاً إنه على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير .

بسم الله الرحمن الرحيم 

سلسلة: (4)

#من_كتاب_دليل_أرباب_الفلاح_ل تحقيق_فن_الإصطلاح
للشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله-

#مقدمة

(علمِ الحديثِ) رِوايَةً

☄[ تَعريفُهُ ] :

فأما علم الحديث رواية ؛ فهو : نقل السنة في أقوال النبي صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله وتقريراته وخَلْقِهِ وخُلُقِهِ … وغير ذلك .

☄ حفظها في الصدور، وإثباتها بالسطور، وضبطها وتحرير ألفاظها، وإسناد ذلك إلى من عزى إليه بتحديث وإخبار وغير ذلك،
وشروطها تحمل واريها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل ؛ من : سماع أو عرض أو إجازة … أو نحوها
وأنواعها الاتِّصال والانقطاع ونحوهما
وأحكامها القبول والرد ، وحالة الرواة مِن عدالة وجرح ونحو ذلك ، وشروطهم في التَّحمُّلِ وفي الأداء 

وأصناف المرويَّات المصنَّفات من السُّنن والصِّحاح 

والجوامع والمسانيد والمعاجم ونحوهما مِنَ الأحاديث والآثارِ

وغيرها .

[ تَدوينُ الحديثِ ] :
• [ جمعُهُ بلا ترتيبٍ ] :
وأول تدوينٍ لِلحديث : وقع على رأس المائة ، ففي البخاري "كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء" وفي لفظ أبي نعيم : "كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق انظروا ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجمعوه" .

فائدة حديثية -2-



قال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - :
((لا ريب في تقديم البخاري، ثم مسلم، على أهل عصرهما ومن

بعدهما من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل ؛ فإنهم لا

 يختلفون في أنّ علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث، وعنه أخذ البخاري ذلك ، حتى كان يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. 

ومع ذلك كان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري ، يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه)). اهـ

هدي الساري ص : 345-346- ( و هي مقدمة فتح الباري )




الاحاديث الضعيفة والموضوعة



" بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 5/40 ) ضعيف رواه ابن عدي ( 211/2 و 4/148 - ط ) , و البيهقي في " الشعب " ( 7/91/9588 ) عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب : أن أبا الخير أخبره : أنه سمع عقبة بن عامر يقول : فذكره مرفوعا .قلت : و هذا سند ضعيف من أجل ابن لهيعة , فإنه سيىء الحفظ .و الحديث عزاه في " الجامع الصغير " للبيهقي في " الشعب " , و زاد المناوي :" و الطبراني . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ; غير ابن لهيعة " .قلت : في هذه الزيادة نظر من وجوه :الأول : أن إطلاق العزو للطبراني يوهم أنه رواه في " المعجم الكبير " لأنه القاعدة , و ليس فيه , و قد عزاه إليه الحافظ أيضا في " تسديد القوس " ( ق 99/2 ) , و لم يورده في " الغرائب الملتقطة " , و لا أظن أنه في المعجمين الآخرين !الثاني : أن تعقيبه عليه بقول الهيثمي : " رجاله ... " صريح في أنه أراد الطبراني , و هذا خطأ آخر , فإن الهيثمي إنما قال ( 8/175 ) :" رواه أحمد , و رجاله .. " إلخ .الثالث : أن لفظه عند أحمد مخالف , لأنه بلفظ :" لا خير فيمن لا يضيف " .و هو في " مسنده " ( 4/155 ) , و بهذا اللفظ أخرجه الحربي في " إكرام الضيف " ( 34/54 ) , و الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ( 1/209/294 ) .

الخميس، 28 ديسمبر 2017

كيف نتصرّف عند تجريح بعض المشايخ السلفيين ؟؟لفضيلة الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله

السؤال / اليوم أصبحت هناك شبهة خطيرة تدور بين السلفيين, يقولون : «كلما وثقنا في شيخ سلفي مُزكى من العلماء؛ لأجل ثقتنا بعلمه, ﻻ لتعلقنا بشخصه, يسقط فجأة, وﻻ نعلم ما السبب حتى نحتاط من أخطائه, ومكتباتنا الشخصية في المنازل كلما ملأنها بكلام المشايخ أفرغناها مرة أخرى..

فكيف يكون الرد على هذه الشبهة التي قد تصبح كالعدوى حتى تهتك بالسلفيين ويتسلط عليهم الشيطان ؟ وما نصيحتكم لأبنائك السلفيين ؟؟

لفضيلة الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله

الجــواب :

هذا الواقع الذي وصفه السائل موجود، وأشعر به، ولعل مما يحقق مراد السائل ويوضح الأمر ذكر ما يلي:

 أولاً: ليس معنى السلفية والانتساب إليها أن لا يقع السلفي في أخطاء، سواء كان طالب علم صغير، أم كان عالماً كبيراً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».

ثانياً: ليس كل خطأ يعامل صاحبه معاملة أهل البدع، وهذه قضية هامة جداً، ومحل فرق بين السلفيين والمتشددة في هذا الباب، ومنهم الحدادية، فإنه مما ينكر عليهم عدم التفريق بين الخطأ يقع فيه السلفي، والخطأ يقع فيه صاحب البدع والهوى، ويعاملونهما معاملة واحدة عندهم! فإن صاحب السنة يناصح، ويوجه، والظن فيه قبول الحق، والرجوع إليه. وهذا ليس ضعفًا ولا خواراً، بل هو شجاعة أدبية يدين المسلم بها نفسه لربه، فإن الحق أحق أن يتبع!

➖ثالثاً: ليس معنى السلفية أن لا يحصل اختلاف بين السلفيين في مسائل العلم الاجتهادية، وهذا أمر واقع الصحابة يدل عليه، وليس معنى كون السلفي يتبع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح أن لا يقع اختلاف في المسائل الاجتهادية، وهؤلاء الأئمة الأربعة من أئمة أتباع السلف الصالح حصل بينهم من الاختلاف في مسائل العلم الاجتهادية ما هو معلوم ومعروف!

➖ رابعاً: ليس معنى السلفية أن لا يقع السلفي في أمراض القلوب من الشهوات الخفية، كمحبة الظهور، والتعنت مع إخوانه. والحال أن المسلم مرآة أخية المسلم، فيناصح ويوجه، والله المستعان.

➖خامساً: ليس من منهج السلف الصالح الإلزام باتباع قول أحد، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. خاصة في المسائل الاجتهادية.

➖سادساً: قد يتكلم عالم سلفي في آخر سلفي، ويستطيل عليه بسبب قصور ما، ولا يعني ذلك إسقاطه، والموقف من ذلك هو إحسان الظن، فنعتقد أن كلام ذلك العالم نتيجة اجتهاد رآه، هو فيه بين أجرين إن أصاب، وأجر إن أخطأ.

➖سابعاً: إذا تكلم أحد في من عرفت عدالته وثقته لا يقبل القول فيه إلا ببيان السبب وتفسير الجرح، فلا يعامل معاملة من هو متكلم فيه أصلاً، أو معاملة من لا تعرف ثقته وعدالته.

➖ثامناً: إحسان الظن مقدّم، فلا تظنن بأخيك المسلم سوءاً وأنت ترى له في الخير محملاً.

➖تاسعاً: لا تقديس للأشخاص. والسائل -جزاه الله خيراً- تنبه لهذا في قوله: «ﻻ لتعلقنا بشخصه».

➖عاشراً: ما كل أحد تكلم فيه يسقط، وما كل كلام في أحد يعد جرحاً.

➖الحادي عشر: ليس من السلفية الإلحاح على حصول التزكيات من العلماء والسعي وراءها. فالمسلم يزكيه علمه وعمله قبل كل شيء، فالأرض لا تقدس أحداً، والنسب لا يقدس أحدًا، و الكلام في جرح الناس لا يقدس أحداً.

➖الثاني عشر: ليس من السلفية الفرح بعيب الناس، وتجريحهم، والسعي فيه لغير حاجة، وعلى طالب العلم تجنب الخوض فيه، وترك الأمر بيد أهل العلم، فلا يتسبب في إشعال الفتنة، وقدح أوارها، بل يخمد الفتنة باعتزاله نارها، بالصبر، والظن الحسن، وأن يوكل الأمر لأهل العلم. والله الموفق.
---------------------
سؤال وجواب ٣٩
مدونة الشيخ د محمد بازمول حفظه الله تعالى

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

الأصول والمتون هي الأصل الذي يُبنى عليه .


سئل الإمام ابن عثيمين -رحمه الله-خ: ما هي الطريقة الصحيحة في طلب العلم؟ هل يكون بحفظ المتون في علوم الشريعة أم فهمها؟ نرجو التوضيح حفظكم الله تعالى .

فأجاب فضيلته بقوله: على طالب العلم أن يبدأ العلم شيئاً فشيئاً ، فعليك أن تبدأ في الأصول والقواعد والضوابط وما أشبه ذلك من المختصرات مع المتون؛ لأن المختصرات سُلّم إلى المطولات، لكن لابد من معرفة الأصول والقواعد ومن لم يعرف الأصول حُرم الوصول.
وكثير من طلبة العلم تجده يحفظ مسائل كثيرة لكن ما عنده أصل لو تأتيه مسألة واحدة شاذة عما كان يحفظه ما استطاع أن يعرف لها حلًّا ، لكن إذا عرف الضوابط والأصول استطاع أن حيكم على كل مسألة جزئية من مسائلة، ولهذا فأنا أحث إخواني على معرفة الأصول والضوابط والقواعد لما فيها من الفائدة العظيمة وهذا شيء جربناه وشاهدناه مع غيرنا على أن الأصول هي المهم .
ومنها حفظ المختصرات ، وقد أراد بعض الناس أن يمكروا بنا قالوا لنا: إن الحفظ لا فائدة فيه، وإن المعنى هو الأصل، ولكن الحمد لله أنه أنقذنا من هذه الفكرة وحفظنا ما شاء الله أن نحفظ من متون النحو وأصول الفقه والتوحيد.
وعلى هذا فلا يُستهان بالحفظ ؛ فالحفظ هو الأصل، ولعل أحداً منكم الآن يذكر عبارات قرأها من قبل مدة طويلة، فالحفظ مهم لطالب العلم حتى وإن كان فيه من الصعوبة، ونسأل الله سبحانه وتعالى ـ أن تكونوا ممن اهتدوا بطريقة سلفنا الصالح وأن يجعلنا من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم .

انتهى .
المتون العلمية موجودة من قديم الزمان . . ولكنها لم تعرف بهذا الاسم، بل باسم المختصرات: مثل مختصر الخرقي عمر بن الحسين الخرقي المتوفي سنة (334هـ) -رحمه الله تعالى-.

قال الشيخ صالح آل شيخ: المختصرات تؤخذ على طريق التفقه والفهم والعلم [أي التصور] ، ثم الأدلة عليها يهتم بها طالب العلم ولا تؤخذ على جهة التعصب لأن أصل التعبد في العلم أن تتعبد بفهم نصوص الكتاب والسنة .

الورقات في أصول الفقه للإمام الجويني


وَأُصُولُ الْفِقْهِ : طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا .
وأَبْوَابُ أُصولِ الْفِقْهِ : أَقْسَامُ الْكَلامِ ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَالعَامُّ ، وَالخَاصُّ ، وَالمُجْمَلُ وَالْمُبَينُ ، وَالنَّصُّ وَالظَّاهرُ ، وَالأَفْعَالُ ، وَالنَّاسِخُ ، وَالْمَنْسوخُ ، وَالإجْمَاعُ ، وَالأَخْبَارُ ، وَالْقِياسُ ، وَالْحَظْرُ وَالإبَاحَةُ ، وَتَرْتِيبُ الأدَلَّةِ ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدينَ .
فَأَقَلُّ مَا يَتَرَكبُ مِنْهُ الْكَلامُ : اسْمَانِ ، أَوْ اسْمٌ وَفِعْل ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْف ، أَوْ اسْمٌ وَحَرْف .
وَالْكَلامُ يَنْقَسِمُ إِلى : أَمْرٍ ، وَنَهْيٍ ، وَخَبَرٍ ، وَاسْتِخْبَارٍ ، وَيَنْقَسِمُ أَيْضاً إِلَى تَمَنٍ ، وَعَرْضٍ ، وَقَسَمٍ .
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ .
فَالْحَقِيقَةُ : مَا بَقِيَ فِي الاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ . وَقِيلَ : مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ .
وَالْمَجَازُ : مَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ .
وَالْحَقِيقَةُ : إِمَّا لُغَوِيَّةٌ ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ ، وَإمَّا عُرْفِيَّةٌ .
وَالْمَجَازُ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ بزِيَادَةٍ ، أَوْ نُقْصَانٍ ، أَوْ نَقْلٍ ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ .
فَالْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { لَيس كَمِثلهِ شَيءٌ } .
وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَسئَلِ اَلقَريَةَ } .
وَالْمَجَازُ بِالنقل كَالغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ .
وَالْمَجَازُ بِالاستِعَارَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { جِدَاراً يُرِيدُ أَن ينَقَضَّ } .
وَالأمرُ : اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ ، وَالصِّفَةُ الدَّالّةُ عَلَيْهِ : افْعَلْ ، وَهِيَ عِنْدَ الإِطْلاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْقَرِينَةِ تُحْمَلُ عَلَيْهِ ، إِلا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ مِنْهُ النَّدْبُ أَوْ الإِبَاحَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ . وَلا يَقْتَضي التَّكْرَارَ عَلَى الصَّحِيحِ إِلا إذا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَصْدِ التكْرَارِ ، وَلا يَقْتَضِي الْفَوْرَ ، وَالأمرُ بِإيجَادِ الْفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ وَبِمَا لا يَتِمُّ الْفِعْلُ إِلا بِهِ ، كَالأَمْرِ بِالصلَوَاتِ أمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلْيَهَا وَإِذَا فُعِلَ يَخْرُجُ الْمَأْمُورُ عَنْ الْعُهْدَةِ .

الَّذِي يَدْخُلُ فِي الأمرِ وَالنَّهْي ، وَمَا لا يَدْخُل
يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللَّه تَعَالَى الْمُؤمِنُونَ ؟ وَالسَّاهِي ، وَالصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ دَاخلِينَ في الْخِطَابِ . وَالكُفَّارُ مُخَاطبُونَ بِفرُوعِ الشَّرَائِعِ ، وَبِمَا لا تَصحُّ إلا بِهِ - وَهُوَ الإِسْلامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا سَلَككم فِي سَقَرَ قَالوُا لم نَكُ مِن المُصَلِّين } . وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ .
وَالنهْيُ : اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ .
وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الإِبَاحَةُ ، أَوْ التَهْدِيدُ ، أَوْ التَّسْوِيَةُ ، أَوْ التَّكْوِينُ .
....يتبع

إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه


من مسائل التوشيح

(1/ 1)- وسائل الطهارة أربعة وهي:
الماء والتراب والدابغ وحَجَر الاستنجاء
(2/ 2)- مقاصد الطهارة أربعة وهي:
الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة
إيضاح: الوسائل جمع وسيلة وهي ما يتوصل به إلى المقصود وبالمثال يتضح المراد:
فلو أن شخصا أراد الذهاب من مصر إلى مكة فركب طائرة للوصول إليها، فـ (الطائرة) وسيلة و(مكة) مقصود 
كذلك إذا أراد الإنسان الوضوء أو الغسل أو التيمم أو إزالة النجاسة فهذه مقاصد، يعني: يريدها الإنسان ويقصدها مثل (مكة) في المثال السابق، ولكي يصل إلى هذه المقاصد فلابد من استعمال وسيلة وهذه الوسيلة إما أن تكون (الماء أو التراب أو الدابغ أو حجر الاستنجاء).


الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

شرح ( الأصول الثلاثة ) للعلامة السلفي محمد أمان الجامي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد : 
فقد وقع الإختيار على هذه الرسالة تحقيقاً لرغبة كثير من طلبة العلم الذين يرغبون حفظ هذه الأصول وفهمها وتحقيقها ، والعمل بها ، والدعوة إليها ، لذلك نبدأ في هذا الكتيب ، ونسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول وفيما نعمل فنبدأ بالشرح ، وقبل ذلك نعرف تعريفاً يسيراً بالمؤلف ، والمؤلف مشهور لا يحتاج إلى التعريف ، ولكن بالنسبة لبعض صغار طلبة العلم وبناءً علو العادة الجارية التعريف بالمؤلف عند قراءة كتب المؤلفين .
ولد هذا العالم في بلدة العينية في نجد سنة 1115 هـ 
نشأته : نشأ في حجر والده ، وكان والده القاضي في البلد وعالم مدرس على الطريقة القديمة في البيوت نشأ هذا الشاب نشأة عجيبة حيث حفظ القرآن قبل العاشرة من عمرة وبلغ الاحتلام قبل الثانية عشر من عمره ويأتي والده أنه في هذه السنة رأى أنه أهل بأن يصلي بالناس فقدمه لكي يصلي بالناس وهو أبن الثانية عشر من العمر وفي هذه السنة زوجه ،وعكف الشاب مع دراسته على والده عكف على كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم واستفاد لأن الله أعطاه من الذكاء ما وصفه المترجمون له بطريقة غربية وفذه قوي الحافظة ذكي فطن عكف في طفولته على هذه الكتب مع ما يدرس على والده في الفقه على مذهب الإمام احمد ثم تاقت نفسه ليرحل في طلب العلم لأنه استفاد من هذه الكتب ورأى أن البيئة التي يعيش فيها بيئة جاهلية صرفه ، إذ كانت الناس تعبد النخل ويعبدون القبور ويعبدون الجن ، جاهلية جهلاء كالتي كانت قبل الإسلام مع الانتساب إلى الإسلام مع وجود العلماء بينهم استنكرت نفسية هذا الشاب هذه الجاهلية لكنه كتمها في نفسه ولم يتكلم لأنه في نظر الناس طفل لا يستحق الإنكار والقيام بالإصلاح بين الناس .
أراد أن يرحل في طلب العلم كأن الله يريد أن يطلعه على كثير من البلدان المجاورة ليرى إن الجاهلية عمت وليست في بلده فقط خرج حاجاً فحج ثم جاء إلى المدينة ومكث في المدينة لطلب العلم وقيض الله له بعض علماء الحديث كالشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل السيف وأحبه هذا الشيخ كثيراً لما فيه من الذكاء ولما فيه من الاهتمام بشؤون المسلمين والإصلاح وإعداد نفسه للإصلاح وقدمه لبعض المدرسين في المسجد النبوي كالشيخ محمد حياة السندي والشيخ العجولي والشيخ الإحسائي وركز الشيخ على علوم الحديث درس الكتب الصحاح ودرس كتب الإمام الشافعي ودرس كثيراً وكان في نفسه بعض التضايق عندما يرى ما يفعله بعض الناس عند السلام على النبي r عند قبره وكثيراً ما يقول للمشايخ أيش هذا يا شيخ ، ويقولون هذه بعض الجاهليات ، صبر وتعلم وملك نفسه ، وذات مرة ذهب إلى القبر ليسلم ورأى تعلق الناس بالقبر وتمسحهم وكان عند الشيخ محمد حياة السندي فرجع إليه فقال ما هذا يا شيخ ما هؤلاء ؟ ، قال : إن هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون ، هكذا رد الشيخ فوراً وأدرك الشاب أن العمل مستنكر حتى عند المشايخ ولكنهم عاجزون لا يستطيعون يعملون شيئاً هكذا قضى برهةً من الزمن في هذه المدينة فأخذ الإجازة في الكتب التي أخذها عن الشيوخ ثم توجه إلى العراق إلى البصرة ولكنه عرج على بلده في طريقه ثم واصل سيره لأنه سمع بشيخ عالم محدث نحوي المجموعي في البصرة ، فرحل إليه ودرس عنده كثيراً واستفاد منه في علوم العربية وعلم الحديث وهنا رأى الشاب أنه نضج وأنه لا بد أن يبدأ في الدعوة والإصلاح وأن لم يبلغ مبلغ كبار العلماء لأنه يرى نفسه طالب ولكنه طالب مهيأ وعنده ركيزة طيبة من العلم بدأ يتصل بزملائه وبعض الشيوخ وبعض من تعّرف عليهم ويكتب إليهم الرسائل وينكر عبادة القبور وينكر كثيراً من المنكرات البارزة حتى عرف بالبصرة على كونه طالب علم أنه يحاول الإصلاح وتأثر به شيخه المجموعي لأنه كان يحبه الشيخ ، وكثيراً ما يتأثر الشيخ بالتلميذ إذا كان التلميذ نابغة ورأى أنه ربما خير منه ، وهذا معروفٌ من قبل وهذا كما ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول للإمام أحمد : أنتم أعلم منا بعلم الحديث فإذا علمتم شيئاً أو بلغكم شيئاً من الحديث فأبلغونا ، في هذا الوقت كان الإمام احمد تلميذاً عند الشافعي ، وهكذا تأثر المجموعي بأبن عبد الوهاب ، وأخيراً قامت قائمة الجاهلية بين المتصوفة وأُمر بإخراجه فأخرج من البصرة إلى الزبير وفي الطريق لاقى صعوبة حتى كاد يهلك من الظمأ لأنه يمشي على رجليه في الظهيرة ، ولكن الله قيض له من يحمله على حماره معه إلى البلد فسلم ولم يهلك فدرس في الإحساء على شيخ شافعي ثم رجع إلى الشام وتجول في بلاد الشام ، ولكن المصادر لم تذكر شيوخه في الشام إلا أن زيارته للحجاز والعراق والشام والمنطقة الشرقية كل ذلك أفادته فائدة على العلم معرفة أحوال المسلمين والجاهلية التي عمت وطمت، وأخيراً قرر الشاب العودة إلى بلده للعمل فرجع فبدأ حياته العلمية في بلده حروملة ، ولكنه أوذي حتى ضاق من بعض السفهاء أن يفتكوا به فخرج خائفاً يترقب وله أسوة بالأنبياء في ذلك خرج إلى العينية مسقط رأسه وأمير العينية رحب به والشيخ شرح له دعوته لأن هذه دعوة إسلامية عامة تحتاج منك الصبر إذا أردت أن تؤازر هذه الدعوة لا بد أن تؤذى هل تصبر ؟ قال الأمير : إنه يصبر ، وفعلاً صبر معه وغير كثيراً من المنكرات أزال كثيراً من الأشجار التي كانت تُعبد أراد الله أن تقدمت امرأة ارتكبت فاحشة الزنا فطلبت التطهير واعترفت وأصرت على الاعتراف فأقام عليها الشيخ الحد من هنا ذاع صيته وانتشر خبره في المنطقة واستنكر أُمراء المنطقة هذا التصرف فكانوا يسمونه المطوع ، ويقولون هذا المطوع جاء بأمر جديد ، وكان من أشدهم أمير الإحساء هددوا على أمير العينية إن لم يخرج من بلده هذا المطوع فإنه سوف يحصل كذا وكذا فخرج وتوجه إلى الدرعية فنزل الشيخ في بيت أبن سلويلم في الدرعية وعلم محمد بن سعود وصوله ولما علم أخذ بعض أصحابه فذهب إلى بيت أبن سويلم ولم يدعه إلى منزله فزارة وتعرف عليه وهدى الله الأسرة وطلبت الأسرة رجالاً ونساءاً من الإمام محمد بن سعود أن يؤازر هذا الرجل وأن تبنى هذه الدعوة فاليعتبرها نعمة سيقت إليه وفعلاً آزر وأعلن مؤازرته للدعوة والشيخ نصحه وبين له كما بين لأمير العينية صعوبة هذه الدعوة أنها دعوة عامة لا تترك شيئاً من الجاهليات لا في العقيدة ولا في الأحكام تجديد عام للدعوة المحمديه واستعد الأمير محمد بن سعود لمؤازرة الدعوة وتعاهدا عن القيام بالعمل الجاد في الدعوة فصارت الدرعية عاصمة للدعوة يهاجر إليها طلاب العلم للعلم وللتعبد هناك قرب الشيخ وانطلقت الدعوة من هناك وبدأ الشيخ يكتب إلى الأمراء في جميع الأقطار يشرح موقفه من الأئمة الأربعة وموقفه من الصحابة وموقفه من نصوص الصفات وموقفه في باب التوسل وهكذا بدأت الدعوة وأستمرت إلى أن وصلت إلى هذه المدينة النبوية وعمت الجزيرة ولكن الدعايات لا تزال تنتشر في الآفاق هناك مذهب خامس هناك الوهابية هناك وهناك فصار العمل هو الرد وأُلفت الكتب ضد هذه الدعوة وأنتشرت في العالم فعرف أكثر الناس هذه الدعوة على غير حقيقتها وأنها دعوة مناؤة للأئمة الأربعة والأولياء وأنها لا تحترم رسول الله r والصحابة وهكذا إلى غير ذلك من الدعايات التي أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً إلى أن في مثل هذا الوقت وانتشرت الدعوة ووصلت إلى إفريقيا توجد الآن هناك مدارس كثيرة تدرس نفس المنهج المقرر في المدارس السعودية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وانتشرت في القارة الهندية وانتشرت في الدول العربية إلى أن خرجت من الديار الإسلامية وفتحت لها أبواباً في نفوس الناس وفي صدور الناس من أوروبا وأمريكا وانتشرت وعمت لذلك جميع الحركات حول هذه الدعوة وضد هذه الدعوة إنما هي حركة الشاة المذبوحة تتحرك لتموت لا لتحيى والدعوة ماشية بحمد الله تعالى وننصح بدراسة العقيدة والأحكام وفروع اللغة العربية وعلوم الحديث وعلوم القرآن وكل علم نافع يكون مساعداً لفهم الكتاب والسنة وطلب العلم نوع من الجهاد وأنتم في جهاد طالما تطلبون العلم ، والعلم قبل القول والعمل . 


المصدر -منتديات بيت السلفيات-


الاثنين، 25 ديسمبر 2017

الاتِّعاظ بالقرآن




«ومَن تدبَّر كلامَه عرف الربَّ عزَّ وجلَّ، وعَرَفَ عظيمَ سلطانه وقدرتِه، وعظيمَ تفضُّله على المؤمنين، وعَرَف ما عليه مِن فرض عبادته، فألزم نَفْسَه الواجبَ، فحَذِر ممَّا حذَّره مولاه

الكريم، فرَغِب فيما رغَّبه، ومَن كانت هذه صفتَه عند تلاوته للقرآن وعند استماعه مِن غيره كان القرآنُ له شفاءً فاستغنى بلا مالٍ، وعَزَّ بلا عشيرةٍ، وأَنِسَ ممَّا يستوحش منه غيرُه،

وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: «متى أتَّعظُ بما أتلو؟»، ولم يكن مرادُه: «متى أختم السورةَ؟»، وإنما مراده: «متى أَعْقِلُ عن الله الخطابَ؟ متى أزدجِرُ؟ متى أعتبر؟»، 

لأنَّ تلاوة القرآن عبادةٌ لا تكون بغفلةٍ، واللهُ الموفِّق لذلك».

[«أخلاق حَمَلة القرآن» الآجرِّي)]

المفهوم الصحيح لحب الوطن في الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين

المفهوم الصحيح لحب الوطن في الإسلام



إن الحمد لله؛ نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[. [آل عمران: 102].

]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[.[ النساء: 1].

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَـازَ فَوْزاً عَظِيماً[. [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

الكلُّ يعلم أن لكل ذي نفسٍ وطناً ومأوى، فـ"قرية النمل موضع اجتماعهن والعرب تفرق في الأوطان بين الأسماء فيقولون وطن الإنسان، وعطن الإبل، وعرين الأسد، وكناس الظبي، ووجار الذئب والضبع، وعش الطائر، وكور الزنابير، ونافقاء اليربوع، وقرية النمل". "كشف المشكل" لابن الجوزي (3/363)،وانظر "الفتح" (6/358).

والوطن: منزل إقامة الإنسان ومقره؛ ولد به أو لم يولد، وهو مكان الإنسان ومحله.

ويقال: الوطن الأصلي ويسمى بالأهلي، و وطن الفطرة هو مولد الرجل، و كذا البلد الذي هو فيه؛ ولد فيه أو لم يولد، ولكن قصد التعيش فيه لا الإرتحال عنه.

قال ابن جُماعة في "المنهل الراوي": "قال الحاكم راويا عن ابن المبارك: إن من أقام في مدينة أربع سنين فهو من أهلها، وروي ذلك عن غيره أيضاً. والله أعلم".

والوطنية: صفة، وهي: العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة.

بمعنى: أن الوطنية؛ هي: قيام الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام

فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه، ولا يفارقه رغبة عنه، ومع هذا فلا يعني هذا انقطاع الحنين والحب للوطن، والتعلق بالعودة إليه، كما كان بلال رضي الله عنه يتمنى الرجوع إلى وطنه مكة.

وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.

وأخرج الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي في "الشعب"،والمقدسي في "المختارة" بسندٍ صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  قال في حق مكة عند هجرته منها: (ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك).

وحيث أن حب الوطن غريزة في الإنسان، فقد دعا النبي  من ربه بأن يرزقه حب المدينة لما انتقل إليها، فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  قال: ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد).

ومن حنين الإنسان إلى بلده، أنه إذا غاب عنها وقدم عليه شخص منها سأله عنها، يتلمس أخبارها، فهذا نبينا محمد  يسأل أُصيل الغفاري عن مكة لما قدم عليه المدينة، فقد أخرج الأزرقي في "أخبار مكة" عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيتضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: (يا أصيل! كيف عهدت مكة؟) قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: (حسبك يا أصيل لا تحزنا).

وأخرجه باختصار ابو الفتح الأزدي في كتابه "المخزون في علم الحديث"، وابن ماكولا في "الإكمال"، وفيه قال رسول الله  (ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها).

وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبراً قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). (القصص : 29 ).

قال ابن العربي في "أحكام القرآن":

"قال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر ويقول لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة".

وحب الوطن يجعل الإنسان يدفع عنه العدو إذا هاجمه أو أخرجه العدو منه، والله سبحانه يحكي عن المؤمنين فيقول الله تعالى:

(قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا). (البقرة : 246 ).

ومما أنشده رفيق بن جابر وهو من شعراء الأندلس في تنبيه الغير من الكلام في أوطان من ينزل عندهم، وأنهم لا يقبلون في أوطانهم قدحاً:

لا تعاد الناس في أوطانهم

قلَّما يُرعى غريب الوطن



فبهذه الآيات والأحاديث والآثار؛ يُعلم أن منها أن "حب الوطن" أمراً طبيعياً ومشرعاً أيضاً.

ويؤكد مشروعيته ما أخرجه البخاري أن بلالاً قال:

"اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كمَا أخْرَجُونَا مِنْ أرْضِنَا إلَى أرْضِ الوَباءِ".

قال ابن حجر في "الفتح":

" وقوله: "كما أخرجونا" أي: أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا".

فلم ينكر النبي  على بلال ذلك، بل دعا الله أن يحبب إليهم المدينة فقال : (أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدُّ).

وكان بلال ينشد ويقول:



ألاَ لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً

بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ

وهَلْ أرِدَنْ يَوْما مِياهَ مَجَنَّةٍ

وهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ

ومما يدل على مشروعية حب الوطن كما قرره الأئمة الأعلام على ما أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله  إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها" قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبها".

وقوله: "أوضع نافته": يقال: وضع البعير، أي: أسرع في مشيه، و أوضعه راكبه، أي: حمله على السير السريع.

قال ابن حجر في "الفتح"، والعيني في"عمد القارئ:

"وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه".

قال القارئ في قوله:

(حركها من حبها)؛ أي" حرك دابته بسبب حب المدينة، وهذا التعليق وصله الإمام أحمد".

وفي الحديث عند أحمد بسند صحيح عن علي  قال: "لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها، وأصابنا بها وعك وكان النبي  يتخبر عن بدر .."

قال ابن عبد البر في "الاستذكار":

"وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها".

"فاجتويناها": أي؛ أصابنا الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها.

"يتخبر": أي؛ يتعرف، إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.

ومما جاء عن السلف وحنينهم إلى أوطانهم، ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية"، أن إبراهيم بن أدهم قال: "ما قاسيت فيما تركت شيئا أشد علي من مفارقة الأوطان".

وقال ابن بطوطة: "…فعند ذلك قصدت القدوم على حضرته ... مع ما شاقني من تذكر الأوطان، والحنين للأهل والخلان، والمحبة إلى بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان".

وأنشد:

بلاد بها نيطت علي تمائمي

وأول أرض مس جلدي ترابها

وقال الارفعي القزويني في "أخبار قزوين":

ولو لا نزوع النفس إلى مسقط الرأس ودائرة الميلاد لم ينزل ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) وقد صدق ابن الرومي حيث قال:

وحبب أوطان الرجال إليهم

مأرب قضاها الفؤاد هنالكا



إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصبي فيها فحنوا لذالكا



وجاءت أشعار السلف في التعبير عن حبهم لأوطانهم، وشغفهم وحنينهم إليها تترا، فهذا أبو بكر العلاف أنشد يقول:

كما تُؤلف الأرض التي لم يكن بها

هواء ولا ماء سوى انها وطن

وأنشد علي بن محمد التنوخي:

ما كنت أول مشتاق إلى وطن

بكى وحن إلى أحبابه وصبا



وأنشد أبو الفرج محمد بن عبد الواحد الدارمي البغدادي:



ولي وطن لا يرى مثله

يقر بذلك لي من عرف

وذكر أبو الطيب الوشاء قال أنشدت لموسى بن عبد الملك وكان حاجاً فلما قفل وصار بالثعلبية قال:



أيقنت لي وطن أحب

بجمع شمل واتفاق



وهذه ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد زوج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه انشأت تقول وقد حنت إلى وطنها:

خشونة عيشتي في البدو أشهى

إلى نفسي من العيش الطريف



فما أبغي سوى وطني بديلا

فحسبي ذاك من وطن شريف



ومفارقة الأوطان، يكون إما إيذاء على الإيمان، أو عقوبة وخذلان، ففراق الأوطان لأيِّن من السببين؛ معادلة لقتل النفس. قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ). (النساء: 66).

أما فراق الأوطان بسبب الإيذاء على الإيمان، فهو خروج النبي  من مكة بسبب مضايقة كفار قريش له ولمن أسلم آنذاك من قريش، وقد تقدم قوله : (...ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك).

وأيضاً فراق المهاجرين الأُوَل لموطنهم مكة، "فقد وصف الله تعالى المهاجرين الأولين بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَهَاجَرُواْ ..).

قوله: (وَهَاجَرُواْ)، يعني: فارقوا الأوطان، وتركوا الأقارب والجيران؛ في طلب مرضاة الله، ومعلوم أن هذه الحالة حالة شديدة قال تعالى: (أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ).

جعل ـ الله تبارك وتعالى ـ مفارقة الأوطان؛ معادلة لقتل النفس، فهؤلاء في المرتبة الأولى: تركوا الأديان القديمة لطلب مرضاة الله تعالى، وفي المرتبة الثانية: تركوا الأقارب والخلان والأوطان والجيران لمرضاة الله تعالى". " التفسير الكبير" للرازي.

وأما أنْ يكون فراق الأوطان عقوبة؛ فالعقوبة على نوعين: نوع عذاب وهو على الكفار، فقد أخبر الله تبارك وتعالى عن هذا الصنف فقال عز وجل: (وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) (الحشر : 3 ).

"معنى (الجلاء) في اللغة: الخروج من الوطن والتحول عنه، والجلاء نوع من أنواع التعذيب". "التفسير الكبير".

وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "هذا كله وما أشبهه من العذاب والله أعلم".

والنوع الآخر من العقوبة بمفارقة الأوطان، هو ردع للمسلم وزجر له، كي لا يعود للمخالفة، قال تعالى:

(إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ... أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ). (المائدة : 33 ).

أي: "يطرد من بلد إلى بلد بحيث لا يتمكنون من القرار في موضع".

" واختار ابن جرير أن المراد بالنفي في هذه الآية أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه وروي نحوه عن مالك أيضاً، وله اتجاه؛ لأن التغريب عن الأوطان نوع من العقوبة كما يفعل بالزاني البكر وهذا أقرب الأقوال لظاهر الآية". "أضواء البيان" للشنقيطي.

وكما غرب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه لجماله افتتن بعض النساء به.

ومما سبق تبين لنا أن "حب الوطن"؛ غريزة متأصلة في نفوس الناس على اختلاف أديانهم ومناهجهم وأجناسهم.

و "حب الوطن" أمر مشروع بالأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن السلف الصالح، التي سقنا بعضاً منها.

فإذا تقرر هذا؛ فما العمل الواجب على المسلمين عموماً، وعلى أبناء هذه البلاد ـ المملكة العربية السعودية ـ على وجه الخصوص، أن يقوموا به تجاه دولة بها من الخصائص والمزايا التي تفوق باقي الكرة الأرضية جمعاء؟

فهذه الدولة بها قبلة المسلمين، ومسجد سيد ولد آدم أجمعين، وبها المشاعر المقدسة، أضف أنها الدولة الوحيدة على البسيطة التي خلَت من الأضرحة والمشاهد والمزارات، وهي الوحيدة التي تطبق شرع الله في جميع أمورها وأحوالها، والوحيدة التي بها مجلساً للشورى، وهيئةَ أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وهي الدولة الوحيدة التي تُغلِق فيها المتاجر أبوابها أوقات الصلوات المكتوبة، ـ فلله الحمد والمنة ـ فمثل هذه الدولة المباركة بين دول العالم ـ اليوم ـ أجمع؛ كمثل شعرة بيضاء في جنب ثور أسود، أو شعرة سوداء في جنب ثور أبيض، لتميُّزها الواضح الذي لا يخفى إلا على العميان.

فأعود وأُجيب على التساؤل المطروح، فأقول:

الواجب على أبناء هذا الوطن خاصة؛ محبته، و التكاتف بين أفراد مجتمعه والتلاحم فيما بينهم، فإذا كنا لبنة واحدة؛ عجز عنا العدو وباء طمعه بالخسران.

ومن مقتضى محبة الوطن على أهله؛ القيام بالواجبات المنوطة على كل فرد بأمانة وإخلاص، على اختلاف المواقع والمراكز والمناصب والرتب، بدأً بالبواب وانتهاءً بالملك.

ومن مقتضى محبة الوطن؛ المحافظة على ثرواته وخيراته، وعدم العبث بها وهدر أموال بيت المال، بحجة أن هذا المال للدولة؛ وأنا ابن الدولة، لا.

أنت مؤتمن على كل ما يُوكَل إليك من أعمال، وراع في وزارتك، أو إدارتك، أو مكتبك، وأنت راع لمن ولّاك ولي الأمر عليهم من العاملين، يقول :

(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...).متفق عليه.

وقال : (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ] . "صحيح ابن حبان".

ثم إن العجب لا ينقض؛ من أناس وُلِدوا وترعرعوا ونشأوا، وتربوا وعاشوا في هذا الوطن، وأكلوا من خيراته، وتعلموا العلوم باختلاف التخصصات في مدارسه ومعاهده وجامعاته، ثم يخرجون على المسلمين، فيقتلون إخوانهم، ويدمرون ممتلكات وطنهم و مواطنيهم، بالتفجير الذي هو من عمل الخواج المارقين.

والبعض لا يكن لوطنه حباً، بل يستوي عنده من يذم وطنه ومن يثني عليه، ولا يفرق بين قادح ومادح، وهادم وبانٍ، بل والأعظم من هؤلاء، من يُلبِّس على الناس بنشر الأكاذيب المختلقة، ونشر الرذيلة عن وطنه، وينسى الفضائل، بل ويسترها. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن لوازم محبة هذا الوطن، احترام ولي الأمر ومحبته، وكراهة الكلام فيه، وبغض من يتكلم فيه ويغتابه ويبغضه، وعدم الخروج عليه وإن جار وإن ظلم، والسمع له في المنشط والمكره، قال الله - تعالى -:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ .

وقال  :

( إن أُمّر عليكم عبد حبشي مجدّع، فاسمعوا، وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله).رواه مسلم.

فالحمد لله أن ولاة أمرنا في هذه البلاد ـ المملكة العربية السعودية ـ يقودونا ويسوسونا بكتاب الله وسنة نبيه .

قال  : ( من أكرم سلطان الله – تبارك وتعالى – في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله – تبارك وتعالى – في الدنيا أهانه الله يوم القيامة ). رواه أحمد.

و قال  : ( إسمع وأطع، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك ). أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة".

واعلموا عباد الله أن السمع والطاعة للأمير في المعروف؛ عبادةٌ يُتقربُ بها إلى الله تعالى، لأن الذي أمرك بالصلاة والزكاة وبقية أركان الإسلام وفرائضه وواجباته؛ هو الله سبحانه وتعالى الذي أمرك بطاعة السلطان واحترامه، ومحبته، وعدم الخروج عليه، لا باللسان ولا بالسنان، وعدم إذلاله وتجريحه.

قال  : ( من فارق الجماعـة، واستذل الإمارة لقي الله – عز وجل – ولا وجه له عنده، وفي رواية – ولا حجة له ). أخرجه احمد، والحاكم.

ومن لوازم محبة الوطن، أن يشارك الجميع في بنائه، وتعليم أبنائه وتوجيههم الوجهة الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة، فليس المعلم هو المسئول عن التعليم والتوجيه فحسب، بل الداعية عليه مسئولية في ذلك، وإمام المسجد كذلك، وخطيب الجمعة، وصاحب القلم في الصحف والمجلات، وأصحاب التآليف، والعلماء لهم الدور الأكبر لأن الناس يثقون بهم أكثر، ولن أنسى دور التاجر، إذْ المال له النصيب الأوفر في بناء الأوطان، ونشر الكلمة الطيبة، وذلك بالمساهمة في طبع ذاك الكتاب، أو هذه المطوية، أو دعم مشروع خيري مصرح به، وأما دور المعلم على اختلاف المراحل، فهو دور لا تُعد ولا تحصى أركانه ودرجاته، فعلى المعلمين في المداس والجامعات أن يتقوا الله، ويغرسوا في أبناء الوطن حب الوطن المشروع وليس المغْلُو فيه.

وأمّا دور رجال الأمن باختلاف أقسامهم، وتنوع وحداتهم، جواً وبراً وبحراً، فعليهم يُعوِّل المجتمع بعد الله تعالى في حفظ الأمن والاستقرار؛ الشيء الكبير، فهم يعتبرون حُرّاس العقيدة، وحراس الفضيلة، وحماةً للوطن من كل عابث وحاقد وحاسد، فالله الله يا رجال الأمن في أن يُؤتى الإسلام من قبلِكم، فقد عرفنا لكم مواقف عدة؛ تُشكرون عليها، وتستحقون عليها وسام المحبة والتقدير من مجتمعكم أجمع، بقمعكم الخوارج المارقين على الدين والدولة، وفي إبطال أغلب مخططاتهم الإجرامية في أوكارها وقبل وقوعها، فلكم من إخوانكم في هذا المجمع ـ السعودي ـ كل تحية وكل سلام.

وأما صاحب الدور الأول في تأصيل الانتماء للوطن ومحبته المحبة الشرعية لدى الناشئة، فهي الأسرة، التي فيها نشأ ونمى، فعليها الحمل الثقيل والعبء الأكبر في تلقين الأبناء الألفة، والولاء لهذا الوطن، أو ذاك.

وكما أن محبة الأوطان مشروعة، إلا أن الغلو في محبتها ـ كما يفعله الإِفْرِنْج ومن تشبه بهم من العرب والمسلمين ـ، لا تجوز، بل هي وثنية.

فنحن أمة وسطاً في جميع جوانب الدين، بل نحب وطننا حباً شرعياً، يكون تحت مظلة محبتنا لديننا، لما نرى فيه من إعلاء لكلمة التوحيد من قبل حكامنا، ونشرهم للدعوة السلفية، وصلاحهم، واحترامهم وإجلالهم للعلماء، وسعيهم للخير في كل قطرٍ في المعمورة، نسأل الله المزيد من التوفيق والخير.

وهنا ثمّ تنبيه، من الواجب التعريج عليه تديناً، وهي مقولة منتشرة ومشتهرة بين الناس، وعلى ألسنة العوام، قوله: "حب الوطن من الإيمان"، وينسبونها إلى النبي ، وهي ليس بحديث، بل هي كذب وافتراء على النبي الكريم ، وإليك أقوال أهل الفن والاختصاص من المحققين أعلام الدجى، أهل الحديث.

قال الصاغاني: فمن الأحاديث الموضوعة قولهم: (فذكره ورقمه 81).

قال الزركشي لم أقف عليه.

وقال السيد معين الدين الصفوي: ليس بثابت.

وقيل: إنه من كلام بعض السلف.

قال السخاوي: لم أقف عليه.

وقال الملا القاري: موضوع.

وقال الحوت البيروتي الشافعي: حديث موضوع.

وقال الغزي العامري: ليس بحديث.

وقال خاتمة المحدثين وإليه انتهى علم هذا الفن الشريف في هذا العصر، الشيخ الألباني في "الضعيفة": موضوع، كما قال السخاوي وغيره.

هذا ما تيسر كتابته فلله الفضل والمنة، والحمد لله على توفيقه وامتنانه

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،،،،



وكتبه

أبو فريحان

جمال بن فريحان الحارثي

20/8/1426هـ



وقد استفدت كمرجع عصري من كتاب

الدكتور/ زيد بن عبدالكريم الزيد ـ وفقه الله ـ

بعنوان "حب الوطن من منظور شرعي"

بتقديم سماحة المفتي العام آل الشيخ

والشيخ صالح السدلان ـ حفظهما الله تعالى

مشاركة مميزة

حسن الظن بالله تعالى وقصة عجيبة لرجل شفاه الله تعالى من مرض السرطان

قال الشيخ #عبد_الرزاق_البدر - حفظه الله: ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )، ونبينا عليه الصلاة والسلام إذا جيء له بمريض قال: ( اللهم رب ...